من سرق الهواء..؟!

صحيفة الشرق..    
للوهلة الأولى قد تعجب من قولك مَنْ سرق الهواء؟، للسرقة أسباب ودوافع نفسية ومرضية، ولها ما يبررها في بعض الأحيان، قد تُسرق دون أن تشعر، وقد تُسرق وأنت تشعر، وقد يسرقك خيالك وذكرياتك وآمالك، وقد تسرقك لحظات حلم في فجر مدينة متثائبة..! تُرى مَنْ سرق هواء اللحظة؟ مَنْ أقحمنا في سجون مظلمة، وطرحنا في هبات الريح الصائمة، وأجبرنا خلف القضبان واقفين؟ مَنْ كسر أجنحتنا ظلماً وجبروتاً؟ مَنْ جردنا من عواطفنا الإنسانية ؟ مَنْ جعلنا عقولاً خواء وقلوباً من جليد، وجسداً من حديد، عيناً من سم وأطرافاً من حجارة..!
تُرى مَنْ جردنا من ذاتنا، ومن أنفسنا ومن أطباعنا، ومن أحاسيسنا وميولنا، ومَنْ علَّمنا القسوة و«الهجير»؟ مَنْ علَّمنا البطش والانتقام؟ مَنْ علَّمنا الجور والتعدي، ومَنْ علَّمنا سخرية الناقمين؟ مَنْ علَّمنا لغة الدم والنبش وتقزيم الآخرين، مَنْ اختطف عقول أبنائنا، وباتت عقولهم مستأجرة.. ومَنْ علَّمنا أكل المساكين؟ مَنْ علَّمنا كفوف الباغين؟ مَنْ علَّمنا غلظة القلوب، ومَنْ علَّمنا طحن الضعفاء؟ مَنْ علَّمنا الغرور والكبرياء، ومَنْ علَّمنا التعالي على الخطأ؟ مَنْ قال لنا إننا فوق النقد والتوجيه؟ مَنْ غرس فينا أنياب الخيانة، ومَنْ علَّمنا ظلم النبلاء؟ مَنْ علَّمنا حب الذات؟ ومَنْ أسقطنا في عالم التخبطات، ومَنْ أجبرنا على ظلم الحق؟ مَنْ علَّمنا التحرص والاتهام؟ مَنْ كذب علينا وزعم أن خطيئتنا لا تُغتفر، ومَنْ علَّمنا أن صراخ اللحظة يُسكت الأفواه؟ مَنْ رسَّخ في ضمائرنا المعاملة بالمثل حل الأزمات، ومَنْ وضعنا في مهب ظلمات الافتراس؟! مَنْ أعادنا لفكر الجدل العقيم، ونسف ثقافة الحوار وحرية الرأي، ومَنْ جعلنا تحت رحمة أحلامٍ فائتة؟ مَنْ تركنا وحدنا نفكر، ومَنْ علَّمنا خبث المكر والفر والعصيان؟ مَنْ أسقط الشريعة والسنة من منهجنا الإسلامي النبيل؟ مَنْ سبح بنا في بحر الخسارات والنهايات المقيت، ومَنْ سافر بنا دون زاد أو عتاد، مَنْ أخرجنا من شمس الحب والوفاء والانتماء إلى ظلام الكره والنفاق والظلال؟! مَنْ ظلمنا بطقوسه المريضة وجعلها مبدأ لا نتنازل عنه؟ مَنْ جلب لنا أفكارنا المسمومة، وإجابته المغلوطة، ومَنْ أقحمنا في لغط الحديث وتركنا في لعنة الفكر والانتحار؟ مَنْ جعلنا في صورة الحزين المسكين؟ نقف على مفترق الطرقات لله يا محسنين مَنْ..؟ ومَنْ..؟ ومَنْ…؟
والإجابة مكمنها فكرنا وقلوبنا وتصحيح ذاتنا.